روائع مختارة | واحة الأسرة | أولاد وبنات (طفولة وشباب) | التلفاز في حياة الطفل... تقنين أم منع؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > أولاد وبنات (طفولة وشباب) > التلفاز في حياة الطفل... تقنين أم منع؟


  التلفاز في حياة الطفل... تقنين أم منع؟
     عدد مرات المشاهدة: 2119        عدد مرات الإرسال: 0

كثير منّا يعاني من إدمان أطفاله على مشاهدة التلفاز بغثّه وسمينه، وجلوسهم لساعات طويلة أمام هذا الجهاز الذي يسيطر على أهمّ حاستين لدى الإنسان السمع والبصر.

والذي أصبح فيه تنوّع وكمّ هائل من المحطّات المخصّصة لبرامج الأطفال والتي قد تكون سلبيّاتها وتأثير برامجها على الطفل أكثر من إيجابيّاتها.

وهنا تقع المسئوليّة كاملة على الأهل في كيفيّة معالجة هذا الأمر، ومراقبة طبيعة البرامج التي يتابعها أطفالهم في كلّ مرحلة من مراحل أعمارهم.

وحول هذا الموضوع قمنا بعمل تحقيق حول أثر التلفاز والقنوات الفضائيّة على الطفل، ومالها من سلبيّات وإيجابيّات.

[] تأثير ثقافيّ وصحيّ:

أم عبد الله وهي أم لثلاث بنات وولدين تقول: إنّ التلفاز له تأثيره على الطفل، تأثير ثقافيّ وصحيّ.. أمّا من الناحية الثقافيّة فهو يؤثّر على الطفل من خلال ما يبثّه من أفلام كارتونيّة وما يصحبها من موسيقى على عقيدة الطفل ويعطّل حواسه، فيصبح الطفل يستقبل المعلومات فقط دون أن يفكّر ويبدع، وتحدّثنا أم عبد الله عن واقع تجربتها مع التلفاز: جلست فترة طويلة من الزمن لم أدخل التلفاز إلى بيتي، وكنت أوفّر لبناتي البديل من خلال تعليمهنّ المهارات اليدويّة وتوفير متطلباتها لهنّ من رسم وتلوين وأعمال الخرز والرسم على الزجاج، بالإضافة إلى ملء فراغهنّ بتوفير الكتب والقصص للقراءة وزيارة المكتبات، حتى أصبح لديهنّ روح الإبتكار والتصميم من خلال هذه المهارات.

وتضيف قائلة: أدخلت التلفاز إلى بيتي قبل سنتين تقريباً حتى لا أشعر أولادي بالنقص أو أنّهم أقلّ من زملائهم في المدرسة، حيث أنّني شعرت بهذا من خلال حديثهم عن رفقتهم بالمدرسة وماذا يشاهدون.

وتلاحظ أم عبد الله أنّ روح الإبتكار والعمل في الرسم والمواهب الفنيّة والقراءة قد ضعفت لدى أبنائها إلى حدّ كبير بعد دخول التلفاز إلى البيت، كما أنّها لم تستطع تحديد وقت معين لمشاهدة التلفاز، وأصبحوا يشاهدونه لفترات طويلة، كما أنّها تلاحظ أنّ هناك تفكّكا أسريّاً بسبب هذا الجهاز لرغبة أبنائها بالجلوس عنده لفترات طويلة وتناول الوجبات الأساسيّة عنده.

وتذكر أم عبد الله إيجابيّة واحدة للتلفاز وهي الإرتقاء بلغة الطفل حيث تكوّنت لدى الصغار من أبنائها حصيلة لغويّة لابأس بها من خلال متابعتهم لبرامج التلفاز، وخاصة تلك التي تتحدّث باللغة الفصحى.

وأما تأثير التلفاز على صحة الفرد، تقول أم عبد الله: لا شكّ أنّ التلفاز يؤثّر على حاسّة البصر بشكل خاصّ، خاصة عندما لاتكون الشاشة طبيّة، فهي تضرّ بالتأكيد وتسبّب ضعف البصر، ومن سلبياته الصحيّة أيضا إمتصاص الطفل للإشعاعات الصادرة من التلفاز، خاصة عندما يكون قريباً منه، ويؤثر التلفاز سلباً على الأطفال الذين يشاهدون أفلام العنف، حيث يسبّب لهم الصرع ومشاكل أخرى نفسيّة وصحيّة.

[] سلاح ذو حدين:

أما عبير السالم وهي طالبة دراسات عليا، قسم التربية:

ترى أنّ التلفاز جهاز ذو حدّين تستطيع العائلة أن تستخدمه بشكل يسيء لأبنائها وتستطيع أن تستخدمه بشكل متوازن وتلافي سلبياته بطريقة أو أخرى، لأنّ الطفل كالعجينة يتشكّل في ضوء الظروف المحيطة به، ولا أحد يستطيع أن ينكر دور التلفاز كوسيلة إعلاميّة وتأثيرها على الأطفال الصغار، والطفل هو البذرة الصغيرة التي تنتظرها الأسرة لتكبر وتنفع عائلتها من جهة ومجتمعها من جهة أخرى، فكان من الأهميّة بمكان الإعتناء بهذه البذرة وتعهّدها بالتربية الإسلاميّة التي فطرت عليها.

وتقول عبير إنّ من سلبيّات التلفاز على الطفل ما قد ينتج منه من إدمان المشاهدة حيث الوقت من الصباح إلى المساء يكون للتلفاز والأمّ مشغولة في أمور ليس لها أهميّة كبرى، كالزيارات وغيرها، والطفل برعاية الخادمة التي لا يهمّها أمر هذا الطفل البريء ،بالإضافة إلى ما قد تسقط عليه عين الطفل من مشاهدة مناظر غير لائقة أخلاقيّاً وشرعيّاً.

وترى "عبير السالم أنّ للتلفاز إيجابيّات على الطفل كاطّلاعه على بعض البرامج المفيدة والتي تشبع رغباته وتتماشى مع ميوله من خلال إختياره للبرامج التي يهتم بها ويحبّها، بالإضافة أنّ التلفاز بدوره وسيلة إعلاميّة، فالطفل بطريق غير مباشر يحتكّ بالعالم الخارجيّ.

ولابدّ من تخصيص وقت مابين ساعة إلى ساعتين في اليوم لمشاهدة التلفاز، وليس اليوم كلّه.

[] التلفاز أداة جديدة في تشكيل الوعي الفكري لدى الإنسان:

وتتحدّث الأستاذة درية عبد الرحمن المختصّة بالصحافة والمجتمع عن التلفاز وتأثيره على الطفل قائلة:

التلفزيون لم يكن شيئاً غريباً على جيلنا، وربّما الجيل السابق لنا، ولكنّ الجديد في تلفزيون جيل القنوات الرقميّة هو طبيعة المادّة المقدّمة وكثافتها...

بمقارنة صغيرة مابين طبيعة الموادّ التلفزيونيّة المقدّمة للطفل في فترة السبعينات والثمانينات ومنتصف التسعينات وبين المواد المقدّمة في التلفزيون الجديد -بعد جيل القنوات الرقمية- يمكنه ملاحظة وضوح الرسالة التلفزيونيّة وصراحتها في الأخيرة حيث يظهر المحتوى ساذجاً وسطحيّاً، ولكنّه يرسّخ سلوكيّات خطاب واضح عبر التدفّق المستمر....بينما كان المحتوى عميقاً...تربويّاً وموجّهاً في الموادّ القديمة...

* قنوات متخصّصة:

وتضيف الأستاذة بدرية بأنّ الطفل في السابق كان يشاهد قناة واحدة أو قناتين في الغالب في فترة محدّدة لتقديم موادّ للأطفال ربّما لاتزيد على الثلاث ساعات يوميّاً...بينما لدى الطفل الآن قناة متفرّغة للبث على إمتداد 12 ساعة على الأقل..

في الجيل الجديد المادّة المقدّمة أصبحت متدفّقة ومستمرة.. وأصبح المحتوى المعرفيّ التلفزيونيّ أكثر سهولة وشعبيّة من المحتويات المعرفيّة المكتوبة أو المصوّرة، كالكتاب والمجلة، أو المسموعة في الفصل أو شريط الكاسيت...ناهيك عن الجاذبيّة والفتنة اللتين تتمتّع بهما المادّة التلفزيونية حيث تصبح المعرفة ممزوجة بالمتعة.

هذا لم يؤثّر فقط على علاقة الطفل بالمحتويات المعرفيّة الأخرى، ولكن أدّى إلى حصول حالة حصار معرفيّ يقيّمه التلفزيون على إدراك الطفل...فالطفل لايتحرّك من أمام التلفزيون ويتعرّف على العالم عبر التلفزيون وثقافته رقميّة تماماً وربما سلوكيّاته...وبالتالي فتعامله مع وسائل معرفيّة أخرى غير رقميّة كالكتاب والمجلة غير سهل، وربّما أصبح مستحيلا.ً

* أهداف ماديّة:

وترى الأستاذة بدرية أنّ هناك أمراً آخر فيما يتعلّق بطبيعة المادّة التلفزيونيّة في العصر الرقميّ...القنوات التلفزيونيّة في الأغلب مؤسّسات ربحية...ويغلب على تفكير الداعم للقناة النزعة التجاريّة أكثر منها الفكريّة...بالتالي يسبّب هذا التكريس الكبير لثقافة التلفزيون تشكيل جو -خطاب- مهيمن، له معجمه الخاصّ، ومفاهيمه الخاصّة التي تهمّش أهميّة الفرديّة والإستقلاليّة الفكريّة...أي أنّ ثقافة التلفزيون الجديد هي تكريس لخطابات مهيمنة تسيطر عليها رؤوس أموال كبيرة تستفيد من ترويج ثقافة محدّدة، هي ثقافة الإستهلاك...

كثافة الإعلانات التجاريّة في القناة التلفزيونيّة الواحدة تشكّل وتعمّق الرغبة لدى المشاهد عموما والطفل خصوصا...والرأسماليّة بشكل عامّ تقوّي وتمتّن نطاقها عبر خلق مزيد من الرغبات والإحتياجات وضخّها عبر الإعلان...ولا يخفى علينا أثر كثافة الإعلان على تعميق سلوكيّات الإستهلاك والإتكال على الوالدين، وأكبر منه تعميق سلوكيّات التنافس الإجتماعيّ بين الطفل وأصدقائه..فكلّ من إشترى هذه اللعبة التي أطلقتها قناة كذا لابدّ على الكلّ أن يحصل عليه..وهكذا..

* زيادة السمنة لدى الأطفال:

وتقول الأستاذة بدرية أنّ التلفزيون لايضرّ عقلية وسلوكيّات الطفل فقط عندما تكون الأسرة غير واعية وغير قادرة على السيطرة على الطفل في حالة إدمانه، ولكنّها أيضا تضر صحّة الطفل وجسمه الذي يحتاج في هذه المرحلة إلى الحركة واللعب، وهو ما يمكن أن يفسّر زيادة حالات السمنة المفرطة لدى أطفال العالم.

بإختصار...الإستخدام السيئ والمفرط فيه للمادّة التلفزيونيّة يخلق عالماً مختلقاً في مخيلة الطفل ويجعل حياته غير طبيعيّة.

والتطوير المتسارع لثقافة الرقميّات -التلفزيون والانترنت وألعاب الفيديو- هو مايضخّم جيوب أرباب المال من جهة، ويمسخ حياة طفل القرن الحادي والعشرين من جهة أخرى إلى حياة إستهلاكيّة ساذجة تقدّس الشراء وتكتفي بمحتوى معرفيّ ضحل وقطيعيّ يضخّ ويعاد ضخّه عبر موادّ تلفزيونيّة تمتدّ مالا يقلّ عن نصف يوم....

ناهيك عن حصول قطيعة ثقافيّة غريبة ومستنكرة، وفصّان مع الثقافة السائدة والمجتمع المحيط، ورواج سلوكيّات نابية عن الذوق الإجتماعي بسبب عزلة الطفل وعدم تطوّره إجتماعيّاً...

الكاتب: سمية السحيباني.

المصدر: موقع رسالة المرأة.